بسم الله الرحمن الرحيم
(وَالْعَصْرِ إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إلا الَّذِينَ آمَنُوا
(وَالْعَصْرِ إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إلا الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا
بِالصَّبْرِ )
إن سورة العصر سورة عظيمة وجيزة في ألفاظها
عظيمة في معانيها ،
جامعة لأسباب السعادة ومحذرة عن أسباب الشقاوة
، وجمعت خيري الدنيا والآخرة
من عمل بها فاز ونجح ومن ترك العمل بها شقي
وخسر
إنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من يديه ولا من
خلفه ولا يستطيع الجن والإنس أن يأتوا بسورة
من مثله
سورة العصر افتتحها الله جل وعلا بالقسم بالزمان
فقوله: ( الْعَصْرِ )الواو للقسم، والعصر هو
المقسم به أقسم سبحانه وتعالى بالعصر وهو
الزمان،
لبيان شرفه وعظم مكانته، ثم أتى بجواب القسم
بقوله:
(إِنَّ الإ ْنسَانَ لَفِي خُسْرٍ )
وفي القسم على هذا الأمر وفي تأكيده ب ( إنَّ )
التي تفيد التوكيد في قوله (إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ )
دلالة واضحة على عظم الأمر، وأن الله أراد من
هذا القول: شحذ الهمم والأخذ بأسباب النجاة
إن طريق النجاة موصوف وصفاً واضحاً بيناً في
هذه السـورة الكريمة، في الاستثناء الذي
ذكره الله عز وجل في قوله: (إلا الَّذِينَ آمَنُوا )
آمنوا بأيِّ شيء ؟لم يبين في الآية ما الذي يجب
الإيمان به،
ليعم جميع ما يجب الإيمان به، فيكون المعنى:
إلا الذين آمنوا بكل ما يجب الإيمان به
مما يتعلق بالله عز وجل، ومما يتعلق بملائكته،
وما يتعلق بكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره
وشره
والإيمان في اللغة هو التصديق قال تعالى : ( وما أنت بمؤمن لنا )
وعند أهل السنة والجماعة هو إقرار باللسان ،
وتصديق بالجنان وعمل بالأركان .
إقرار باللسان : معناه شهادة أن لا إله إلا الله وأن
محمداً رسول الله المتضمنة لمعاني التوحيد الثلاثة
وهي :
توحيد الربوبية :
ومعناه توحيد الله بأفعاله كالخلق ، والرزق
والإحياء والإماتة ،
توحيد الألوهية :
ومعناه توحيد الله بأفعال العباد كالنذر والدعاء ،
والاستعانة والإنابة وأدلة هذه العبادات جاءت في الكتاب والسنة
توحيد الأسماء والصفات :
ومعناه إثبات ما أثبته الله لنفسه وما أثبته الرسول
صلى الله عليه وسلم
لربه من صفات الكمال على وجه التنزيه عن
مشابهة الخلق
( أي أن الله تعالى منزه عن أن يشبه خلقه )
( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) الشورى
وتصديق بالجنان : أي تصديق بالقلب
وتصديق بالجنان : أي تصديق بالقلب
و عمل بالأركان : أي عمل بالجوارح كالصلاة
والصيام والحج وغيرها من العبادات فالعمل
الصالح جزء لا يتجزأ من الإيمان
(وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ )هذا الوصف الثاني من
الأوصاف التي علق الله عليها النجاة و يشمل كل
عمل صالح ظاهرٍ أو باطن،
واجبٍ أو مستحب، من حقوق الله أو من حقوق
عباده، كل هذا يدخل في قوله: ( وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ )
و لايكون العمل الصالح إلاّ بعد الإيمان الذي لا
و لايكون العمل الصالح إلاّ بعد الإيمان الذي لا
يحصل إلاّ بالعلم النافع، وإِن العمل لا يكون صالحاً
إلا إذا توفر فيه شرطان :
الأول :
أن يكون خالصاً لوجه الله .
الثاني :
أن يكون موافقاً لهدي رسول الله صلى الله عليه
وسلم . وهذا مصداق قوله تعالى :
( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً
ولا يشرك بعبادة ربه أحداً )
ثم بعد أن ذكر الله تعالى هذين الوصفين وهو
الإيمان والعمل الصالح ذكر وصفاً ثالثاً
وهي الدعوة إليه، قال تعالى ( وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ )
أي أوصى بعضهم بعضاً بالحق و بالأعمال
الصالحة وبذلك يحصل لهم النجاة،
و التواصي بالحق من الأعمال الصالحة و يشمل
أن يوصي الإنسان نفسه بالحق، ويأمرها
بالمعروف وينهاها عن المنكر،
وكذلك يشمل أن يكون ذلك مع غيره ممن يعايشهم
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حق أهل
الإيمان بعضهم على بعض.
والحق ضد الباطل ، فكل ما كان من عند الله فهو
حق وكل ما خالف شرع الله فهو باطل
والمقصود هو الدعوة إلى الله وتبليغ شرعه والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر وهي وظيفة هذه
الأمة دون الأمم .
قال تعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس
تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون
بالله )
لما بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم وهو
لما بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم وهو
خاتم الأنبياء كان لابد من استمرار الدعوة بعده
لأنه لا نبي بعده فكان واجب الدعوة على العلماء
على وجه الخصوص لقوله تعالى : (ولتكن منكم
أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف
وينهون عن المنكر)
والوصف الرابع الذي تحصل به النجاة قول الله
والوصف الرابع الذي تحصل به النجاة قول الله
تعالى ( وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)
أي: أوصى بعضهم بعضاً بالصبر
يعني أنواع الصبر كلها، والتي هي الصبر على
طاعة الله، والصبر عن معصية الله، والصبر على
أقدار الله تعالى،
وهذا داخل في الذي قبله، فإن التواصي بالصبر
من التواصي بالحق،
وخصه بالذكر أي الصبر لأهميته وعظم أثره في
تحقيق النجاة والسلامة
وإذا علم العبد المؤمن ذلك حرص أن يستكثر من
هذه الصفات وأن يزداد منها، لأن بها يحصل له
الفوز والسلامة ،
قال الشافعي رحمه الله: " لو ما أنزل الله حجة
على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم"،
وهذا لا يعني أن ما زاد على هذه السورة لا حاجة
إليه، بل أراد الشافعي أن هذه السورة كافية في
بيان طريق النجاة
والخلق محتاجون إلى كل حرفٍ في كتاب الله عز
وجل، ولذلك كان من أعظم ما أصيبت به الأمة
بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم
هو انقطاع الوحي ، فمراد الشافعي رحمه الله: لو
ما أنزل الله حجة على خلقه إلاّ هذه السورة لكفتهم،
يعني في بيان طرق النجاة والسلامة
وهو التمسك بالإيمان والعمل الصالح، والدعوة إلى
الله،والتواصي بالحق والتواصي بالصبر